شهد العالم مؤخراً هجمات إلكترونية وعمليات قرصنة كثيفة، بعضها يستهدف الحصول على فدية من مؤسسات عامة وخاصة، تشمل قطاعات حيوية تمسّ البشر، وتجهد السلطات لمكافحتها، إذ باتت تشكّل تهديداً للأمن القومي.
وبات الثابت اليوم أن هجمات الفدية الإلكترونية نمت بشكل مطرد منذ عقد لمستويات خطرة، وتفاقمت المشكلة عاماً بعد عام وأجبر قراصنة دولا ومؤسسات وأفراداً على دفع ملايين الدولارات سنوياً حتى باتت تمثل هذه القضية تحديا جدّيا للأمن القومي للدول المختلفة، المتقدمة منها والنامية.
الأرقام بهذا المجال تعكس حجم الأزمة الحقيقية والحادة التي يعاني منها العالم اليوم، والتي باتت تعرف باسم أزمة برمجيات الفدية الخبيثة، وما زالت تتزايد نتيجة تركيز القراصنة لجهودهم في عمليات الابتزاز التي تعتبر من الأساليب المربحة جدا بالنسبة لهم.
ومن الجدير ذكره هنا أن هجمات الفدية أو ما تسمى (Ransomware) هي نوع من الهجمات السيبرانية تستهدف تشفير ملفات أو أنظمة الكمبيوتر الخاصة بالضحية دون إذن، وبعد ذلك يطلب المهاجم دفع فدية مالية (عادةً بواسطة عملة رقمية مثل البيتكوين) لفك تشفير الملفات واستعادتها إلى حالتها الطبيعية. تعد هذه الهجمات من أكثر أنواع الهجمات السيبرانية فتكًا وتأثيرًا على الأفراد والشركات على حد سواء.
إن برامج الفدية، التي يغذيها انخفاض معدلات الملاحقة القضائية واستعداد الضحايا تحت الإكراه للدفع لإنقاذ أعمالهم، تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد العالمي.
لقد مرت ست سنوات منذ أن توقع تقرير صادر عن Cybersecurity Ventures أن أضرار برامج الفدية ستكلف العالم 5 مليارات دولار (دولار أمريكي) في عام 2017، ارتفاعًا من 325 مليون دولار في عام 2015 – بزيادة قدرها 15 ضعفًا في عامين فقط. كان من المتوقع أن تصل الأضرار لعام 2018 إلى 8 مليارات دولار، وفي عام 2019 كان الرقم 11.5 مليار دولار، وفي عام 2021 كان 20 مليار دولار – أي 57 ضعفًا عما كان عليه في عام 2015.
حسب المعطيات، ستكلف برامج الفدية الضحايا حوالي 265 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2031، كما يتوقع تقرير Cybersecurity Ventures بهجوم جديد (على المستهلك أو الشركة) كل ثانيتين، حيث يقوم مرتكبو برامج الفدية بتحسين حمولات البرامج الضارة وأنشطة الابتزاز ذات الصلة بشكل تدريجي. ويستند الرقم بالدولار إلى 30 في المائة من النمو السنوي في تكاليف الأضرار على مدى عقد من الزمان.
الحاصل أن الابتزاز بالفدية لا يتطلب ميزانيات ضخمة ولا إمكانيات مادية، عسكرية ولوجستية، للقيام بها، مقارنة بالأدوات التقليدية الأخرى، بينما يشارك فيها عدد كبير من المخترقين المنظمين، وتشرف على هذه الهجمات أحيانا حكومات دول لاستهداف حكومات أخرى، بالمقابل هناك قراصنة أقل تنظيما، غير أن أهدافهم محدودة للغاية، فهناك المنتقمون، والمرتزقة، والنشطاء، والدول والمنظمات الإجرامية والإرهابية؛ وكل هؤلاء هدفهم تعطيل الأنظمة الحاسوبية التي تتحكم في منشآت حيوية، ويرفضون فك التشفير إلا بعد الحصول على فدية، وعادة ما تكون بعملة البتكوين الرقمية أو أي عملة مشفرة غير مركزية أخرى يصعب تتبعها.
أصبحت هجمات الفدية الرقمية كمسألة «أمن إلكتروني» تتربع اليوم على هرم أجندة الدول بوصفها تمثل جانبا من جوانب الأمن القومي لها في ظل التهديد المتزايد الذي تمثله عمليات القرصنة والتهديد الذي يستهدف مراكز مؤثرة، ويفضي إلى خسائر مادية هائلة ما يستلزم حشد التعاون في المجال السيبراني كضرورة ملحة تتطلب إيلاء المزيد من الاهتمام بها. وتبقى هذه الهجمات تشكل الشغل الشاغل لكل فرد وشركة في عالم التكنولوجيا والرقمنة. ففي ظلّ حرب شرسة تُشن في هذا الفضاء السيبراني المتسارع، يبقى استباق الهجمات والحرص على التوعية وتزويد الأجهزة الذكية بكل الأنظمة الضرورية لحماية البيانات هو الهدف الأساس.