اتجاهات سيبرانية
يتطور العالم بشكل متسارع جداً، وبالذات في ظل الثورة الصناعية الرابعة وعصر الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والعوالم الافتراضية، ومن يعد بالذاكرة إلى ما قبل عقدين من الآن؛ فإنّ شكل العالم يبدو مختلفا جدا عما هو عليه الآن، ولكن ماذا عن العقد أو العقود القادمة، ترى كيف سيكون شكل المعمورة ونمط حياة البشرية؟
هل سيتولى الذكاء الإصطناعي معظم مهام الإنسان وتستولي الربوتات على وظائف البشر؟ وهل سنعيش جميعا في عوالم افتراضية “الميتافيرس” كالتي تحدث عنها مارك زوكربيرغ نعمل ونتواصل من خلالها عام 2030 ؟
كانت البداية
عندما جلس فانيفار بوش ملهم فكرة الإنترنت كبير المستشارين العلميين للرئيس الأمريكي السابق فرانكلين دي. روزفلت عام 1945 يكتب مقالة في مجلة المستقبل، لم يكن يدرك أن فكرته ستتمخض عنها نتائج مبهرة وخطيرة؛ فقد كانت رؤيته عن جهاز حاسب مكتبي صغير يحتوي على كل المعرفة الإنسانية هي التي أوحت للعلماء بفكرة إنشاء الإنترنت التي مضى على إنشائها أكثر من ربع قرن واقتراب مستخدموها من نصف سكان المعمورة (4.8 مليار شخص حول العالم يستخدمون الإنترنت حتى يوليو/تموز 2021، بزيادة 316 مليونا (7.3%) عن عددهم بمثل هذا الوقت من العام الماضي، ويشكلون ما نسبته حوالي 70% من سكان المعمورة). لتتحول الشبكة العنكبوتية إلى وسيلة لا يمكن الاستغناء عنها، سواء في التجارة والاتصال أو العمل والحكومة والإعلام وحتى الحروب. ولم يعد من الممكن ببساطة تصور جزء كبير من العالم المعاصر من دونها.
اليوم يجري الحديث عن الثورة الصناعية الرابعة ، لتقوم بدمج التقنيات التي تطمس الخطوط الفاصلة بين المجالات المادية والرقمية والبيولوجية، فهي هجين من الثورة الرقمية والمواد الجديدة والتكنولوجيا الحيوية، تتميز الثورة الصناعية الرابعة باختراق التكنولوجيا الناشئة؛ فهي تتناول الذكاء الاصطناعي واستخدامات الإنسان الآلي والروبوتات، وهي تشمل علوم المواد الحديثة وتكنولوجيا النانو، كما تضم تطبيقات التكنولوجيا الحيوية والتكامل مع جسم الإنسان، لقد شهدت تلك الثورة الوليدة تطبيقات مبتكرة من إنترنت الأشياء، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والمركبات ذاتية القيادة، وتداخلت مع أساليب تشخيص الأمراض وطرق العلاج، فغيرت في أنماط الحياة وأشكالها.
نجاح بثمن
بيد أن نجاح الإنترنت الباهر لم يكن دون كُلفة، فقد أصبحت الشبكة العالمية في خطر التقسيم بعد فضائح التجسس العالمية الكبرى، و تصاعد الهجمات الإلكترونية (السيبرانية) التي طالت مواقع عديدة حساسة على مستوى العالم، وسرقة المعلومات الاستراتيجية أو حتى التحكم في الأنظمة الاستراتيجية الإلكترونية. حيث تكّلف العالم سنويا بين 400 إلى 500 مليار دولار كل عام. هذه الأسباب وغيرها دعت دول أوروبية وآسيوية إلى الإسراع ببناء شبكة داخلية سواء للإنترنت أو الاتصالات وقد سبق ذلك قيام الصين بإنشاء الجدار الناري العظيم للعمل على الحماية من التهديدات السيبرانية بأنواعها المختلفة وظهرت شواهد على استخدام بكين بدائل محلية لمحرك البحث غوغل ومواقع التواصل الاجتماعي. ودعت حكومات دول مثل ألمانيا وفرنسا إلى إنشاء شبكة اتصالات أوروبية تتفادى مرور البيانات عبر الولايات المتحدة. أما إيران، التي تُصنَّف بأنها واحدة بالفعل من أكثر الدول تقدماً في مجال فرض الرقابة على الإنترنت، تروج أيضاً لشبكة الإنترنت الوطنية الخاصة بها على أنه إجراء من شأنه أن يوفر التكاليف بالنسبة إلى المستهلكين ووسيلة لدعم القواعد الأخلاقية الإسلامية.
إنّ الشبكة العنكبوتية باتت اليوم أكثر من أي وقت مضى عرضة للهجمات السيبرانية والجريمة والحرب الإلكترونية والتجسس، والذي ألحق دون شك الضرر ببنى أساسية حساسة في دول مختلفة حول العالم. وهو ما اضطر العديد من الدول وأجهزة الأمم المتحدة والكثير من المنتديات الإقليمية والدولية والوطنية للتوصل إلى توافق آراء حول مستقبل الإنترنت وحكومتها أو إدارتها. لكن جميع الجهود التي بذلت في هذا المضمار لم تفلح لغاية كتابة هذه السطور في إحراز تقدم يذكر بعد أن نأت الولايات المتحدة عن نفسها إلى حد بعيد عن هذه المناقشات لتركز بدلًا من ذلك على تطوير قدراتها الهجومية والدفاعية في مجال الأمن الإلكتروني مع الاعتماد على خبرات القطاع الخاص للمحافظة على استمرار استقرار النظام.
حوكمة الإنترنت
المعروف أن مؤسسة أمريكية تقوم بمهام الإشراف على الإنترنت، وهي (هيئة الإنترنت الخاصة بالأسماء والأرقام) والتي تعرف اختصارًا باسم (ICANN) وثمة محاولات مضنية لتحرير هذه الهيئة من الاحتكار والهيمنة الأمريكية، الذي يقلق بال الكثيرين، ليس فقط في الدول النامية، ولكن أيضًا في دول الاتحاد الأوروبي، ولذا تتعرض الهيئة لكثير من عوامل الشد والجذب من القوى السياسية المختلفة لاعتبارات تتعلق في المحل الأول باعتبارات الهيمنة المعلوماتية، أو ما أصبح يعرف الآن باسم (هيمنة الشفرة).
لغاية الآن، لا جديد بموضوع حوكمة الإنترنت، وتخلي الإدارة الأمريكية عن دورها المركزي في السيطرة والهيمنة على هيئات ضبط الإنترنت، ولا تزال تبسط نفوذها على مؤسسة (آي سي إيه ان ان) إدارياً وتقنياً، كبيئة إلكترونية كونية تحتوي مختلف مظاهر الاتصال والتفاعل الرقمي للأفراد والجماعات والمنظمات والمؤسسات المحلية والعالمية بأنواعها. وذلك بحجج مختلفة، منها التقدم الأمريكي في التكنولوجيا الفائقة، والبحوث عالية المستوى في مختلف الصناعات الرقمية الآلية، وتوافر القدرات الأمريكية الضخمة في الإدارة والتحكم، إلى جانب التهديدات الأمنية المتزايدة وأهمية الإنترنت في مجالات التجارة والأعمال والسياسة والاقتصاد والإعلام…إلخ.
للتذكير في 4 أكتوبر 2021 ، مُنع مليارات المستخدمين – في جميع أنحاء العالم – من الوصول إلى شبكاتهم الاجتماعية الرئيسية ، مثل Facebook و Instagram و WhatsApp (يديرها جميعًا رجل الأعمال الملياردير مارك زوكربيرج) لمدة – على الأقل – ست ساعات. انهارت هذه التطبيقات عندما فشل فشل ، غير معروف حتى الآن (5 أكتوبر 2021) ، جعل من المستحيل إنشاء اتصال معها من خلال التطبيقات ومتصفحات الويب. هذه الحقيقة ، بعيدًا عن كونها معزولة – نظرًا لأنها السقوط الهائل الرابع لهذه التطبيقات وبرامج المراسلة المباشرة منذ عام 2016 – تُظهر حقيقة حاضرة بشكل متزايد: الاعتماد المطلق على تقنيات الاتصال الجديدة من قبل قطاع واسع بشكل متزايد من سكان المعمورة.
ستفرض الشبكة العالمة للمعلومات “الإنترنت” نفسها في الأعوام القليلة القادمة كقضية مركزية تخلق نزاعاً حقيقيًّا وصدامًا بين القوى الدولية، وربما سيتحول التنافس التكنولوجي المبني على قضية التجسس والتنصت الأمريكي على العالم إلى نزاع دبلوماسي سيأخذ أبعادًا بين الأحادية الأمريكية والتعددية العالمية، بينما يشير الواقع إلى هيمنة وسيطرة أمريكية ستمتد طالما ربطت الأخيرة هذه الهيمنة بقضية أمنها القومي والحيوي وستضع العصي في دولاب أي خطوات دولية تتعلق بمسائل حوكمة الإنترنت، من شأنها تحسين أمن الفضاء الإلكتروني وتحديد الحركة فيه.
“الميتافيرس” .. عالم لسدّ الفجوة بين الواقعي والرقمي
هل سمعتم عن مصطلح ميتافيرس “Metaverse”؟ حتى لو لم تكن قد شاهدت مقطع فيديو للمؤسس والمدير التنفيذي لـــFacebook مارك زوكربيرغ مدته 81 دقيقة حول مستقبل التفاعل البشري والذي بلغ ذروته مع إعادة تسمية شركته باسم Meta ، فقد انتشر هذا المصطلح كأحدث كلمة طنانة تجذب خيال صناعة التكنولوجيا والتي ينظر إليها الخبراء على أنها تعبّر عن مستقبل مواقع التواصل الاجتماعي أو بالأحرى مستقبل الشبكة العنكبوتية بصفة عامة.
إحدى الدراسات المتخصصة تشير إلى أن أول من استخدم مصطلح “الميتافيرس” Metaverse هو “نيل ستيفنسون” في رواية الخيال العلمي “Snow Crash” عام 1992. وتتكون الكلمة من مقطعين؛ الأول Meta وهو الاسم الجديد الذي تغيرت إليه فيس بوك، ويعني “ما وراء”، والمقطع الثاني Verse الذي يأتي اختصاراً لكلمة Universe بمعنى “العالم”، والكلمتان معاً تأتيان بمعنى “العالم الماورائي”أو “ما وراء الكون”. وقد قصد به “نيل ستيفنسون” في روايته تلك، العالم الافتراضي المملوك من قِبل الشركات، حيث يتم التعامل مع المُستخدمين النهائيين كمواطنين يعيشون في “ديكتاتورية الشركات”.
لتقريب فكرة “ميتافيرس” للأذهان، قال زوكربيرغ إن الأمر أشبه بتحويل الإنترنت إلى بيئة ثلاثية الأبعاد لا يقتصر دور المستخدم على النظر إليها أمام شاشته بل الدخول في هذه البيئة بنفسه حتى يصبح أحد عناصرها، ولتنفصل حواسه عن عالمه الحقيقي فترة بقائه في العالم الافتراضي.
إذن الحديث هنا عن إنشاء عالم افتراضي، يسدّ الفجوة بين العالمين الواقعي والرقمي، ليظهر بذلك عالم ثالث، يستطيع فيه المستخدمون إنشاء حياة افتراضية لهم عبر مساحات مختلفة من الإنترنت، بحيث تسمح لهم بالتلاقي والعمل والتعليم والترفيه بداخله، مع توفير تجربة تسمح لهم ليس فقط بالمشاهدة عن بُعد عبر الأجهزة الذكية كما يحدث حاليا، ولكن بالدخول إلى هذا العالم في شكل ثلاثي الأبعاد عبر تقنيات الواقع الافتراضي.
صحيح أن ثمة استخدامات عديدة ومتعددة لـــ”الميتافيرس”، سواء على الجوانب الترفيهية مثل ألعاب الفيديو أو مشاهدة الأفلام أو الاستمتاع بقضاء وقت فراغ، بالإضافة إلى الجوانب والوسائل التعليمية “الوجاهية” أو تلك التي عن بُعد.. فهو ضرورى فى كلتا الحالتين..لكن عل ىالرغم من مشروع “الميتافيرس” أحد مشروعات “فيسبوك” الواعدة؛ لكنها فكرة ما زالت قيد الاختبار مثل غيرها من المشروعات التي لم تتحقق أو لم تر النور لأسباب عديدة. وحتى وإن اكتمل مشروع “الميتافيرس” خلال 5 سنوات من الآن كما هو مخطط له؛ فإنّ هذا التطور قد تقابله مقاومة من التيار الإنساني التقليدي، الذي يرفض هذه السرعة المُبالغ فيها في ظل تنامي مخاوف بشأن “عالم جديد” تتلاشى فيه خصوصية البيانات وانكشافها وتأثيراته النفسية والإجتماعية على حياة الأفراد والمجتمعات ، مما قد يزيد أو يفاقم مشاكل العالم الحقيقي.
حرب من أجل الاستئثار بالبيانات
قيل من قبل أنّ “البيانات هي النفط الجديد”، وأضافوا أنها أساس المعلومة، والمعلومة هي أساس المعرفة، والمعرفة والتجربة هما أساس الحكمة، ولا غنى عن المعرفة والحكمة في إدارة الأمور وقيادة الدول والمجتمعات.
وللبيانات قيمة آخذة بالتوسع بكل الطرق والوسائل. وإذا كانت السياسة تتجه حقًا إلى الثقافة، فإنّ ساحة المعركة التالية للبيانات الضخمة ستحدث على ما يبدو في الساحة الجيوسياسية.
في العصر الحديث، ستكسر البيانات كل من مساحة الأرض والآلات كأهم ركائز للاقتصاد، وسيتم شن الحروب ليس من أجل النفط أو الأرض، ولكن من أجل السيطرة على تدفق البيانات، فالأخيرة ستكون هي المحرك الرئيسي للاقتصاد وحتى شن الحروب.
ليس عمالقة التكنولوجيا فقط من يتنافسون على البيانات من خلال جذب انتباهنا إلى الخدمات والمعلومات المجانية، مثل أمازون وأوبر وكريم وعلي بابا وفيسبوك وتويتر وغيرها، فهناك في بلدة “بلوفدايل” بين جبلي “واساتش” و”أوكيرا” بولاية ِ”يوتاه” الأمريكية يقع المركز الأضخم للتنصت على الوسائط الالكترونية والرقمية التابع لوكالة الأمن القومي الأمريكي وهى رأس مجموعة المؤسسات الاستخباراتية والأمنية فى أمريكا، المعروف باسم “مركز بيانات يوتاه UTAH Data Center” هو منشأة تخزين بيانات تابعة للولايات المتحدة، مصمم لتخزين بيانات بحجم إكسابايت أو أكبر، الهدف الرئيسي من المركز هو دعم مبادرة الأمن السيبراني الوطني الشامل CNCI .وتدير وكالة الأمن القومي (NSA) عمليات المركز الذي تتمثل مهمته فى اعتراض وملاحقة وتحليل جميع أنواع الاتصالات، بميزانية تصل إلى ملياري دولار سنويا، إضافة إلى مهمة تخزين مستمر لكل ما يتم تداوله فى الاتصالات الرقمية ومواقع التواصل وتطبيقات الشبكة العنكبوتية على امتداد الكرة الأرضية كلها، وتعمل فيه “الكمبيوترات” الأشد قوة وذكاء وتطورا وأضخم الحواسيب المنتمية إلى فئة “سوبر كمبيوتر” القادرة على كسر الشفرة فى كل أنواع الاتصالات سواء سلكية أو تليفونية أو كابلات انترنت، وعلى تخزين وفحص وترتيب وتصنيف مليارات المعلومات فى الثانية الواحدة، ومتصلة بـ”شبكة المعلومات الشاملة”..ويرصد هذا المركز أيضا حركة الانترنت وتطبيقاته المتعددة، وكل صفحات التواصل الاجتماعي، وبهذا المعنى؛ فإن كل ما يدور فى الفضاء السيبراني مرصود في “يوتاه” ومستخدم في الفحص والتصنيف.
إذن هي حرب من أجل الاستئثار بالبيانات المتاحة على الشبكة العنكبوتية، ومعرفة اهتمامات الجماهير واتجاهاتها، وأي المطاعم التي يذهبون إليها، والشركات التي يبحثون عنها، والأسهم، وطلبات التوظيف، والوجهات السياحية، وتذاكر الطيران والفنادق، ثم تحليل هذه البيانات، وفهم توجهات الأفراد والأسواق من أجل التحكم في الأسواق والتوجهات، بل طرائق التفكير، وهي أكبر صناعة قائمة الآن، وهي التي جعلت من فيسبوك أكبر بلد على كوكب الأرض. هذا هو ما يعرف بـ” Big data”، أي البيانات الكبيرة، وهي تشير إلى ذلك الكمّ الهائل من البيانات المتاحة، سواء كانت “مصادر متاحة للجمهور – البيانات المتاحة على شبكات التواصل الاجتماعي – البيانات المتدفقة”، أو سواء كانت لدى شركة معينة تحتكر بيانات تخصها وتخص العاملين والعملاء لديها؛ والأمر الحاسم هنا ليس في امتلاك البيانات، ولكن في تحويل تلك البيانات إلى معلومات، والمعلومات إلى معرفة..
يعيش العالم اليوم حقبة تاريخية جديدة تتصف بالفن الصناعي المعتمد على العلم، ومن يملك التقنية يملك المعلومة، ومن يملك المعلومة يملك مفاتيح القوى والنفوذ والسيطرة.
عالم ما بعد الثورة الرقمية الجامحة
اليوم وفي ظل تدفق المعلومات والبيانات الهائل في الفضاء الرقمي وهيمنة العالم الافتراضي على تفاصيل حياتنا، ظهرت العديد من التحديات الجديدة المرتبطة بسيطرة هذا العالم على حياة الإنسان في ظل اكتسابه قوة عالمية من خلال قدرة الثورة المعلوماتية والاتصالية الطاغية على جذب كافة شرائح المجتمعات وتقديمها لبدائل تواصلية مجانية وفعّالة.
إن نظرة متفحصة اليوم الى التأثير المتعاظم لهذا العالم على حياة وواقع البشر يؤشر بوضوح الى عمق السيطرة المتحققة لهذه الأجهزة الذكية وما تحمله من تطبيقات مبهرة ومتنوعة، على حياة الانسان بشكل يوم، لننظر إلى هذا العالم بلغة الأرقام، نجد أكثر من 4.9 مليار مستخدم فعّال للشبكة العنكبوتية وحوالي 4.3 مليار يدخلون إلى 198 مليون موقع فعّال للإنترنت عن طريق هواتفهم الذكية، وما يزيد عن 7 مليون مقال يتم نشره يوميا وأكثر من 500 ساعة من الفيديوهات يجري تحميلها على اليوتيوب كل دقيقة حتى بات المستخدم يقضي ما يزيد عن ست ساعات يوميا على الإنترنت.
لقد أحدث هذا العالم ثورة جديدة ستغير شكل الحياة البشرية تقودها التقنيات فائقة التقدم، فهي ثورة رقمية شاملة على مختلف المستويات، الأمنية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وذلك لأن التطبيقات الذكية تتعدد وتتزايد بصورة يصعب حصره، ثورة هائلة في كل مفصل من مفاصل حياتنا المهنية والعملية والعلمية والصحية والترفيهية والخدمية وها نحن نشعر بتأثيراتها في ثقافتنا وسلوكنا ونمط غذائنا وعلاقاتنا وخصوصيتنا التي باتت مكشوفة لا بل مسلوبة، حيث يستطيع أحدنا وهو في مكتبه أو غرفة نومه أو سيارته من إنهاء معاملاته مكان عمله أو في البنك والمؤسسة والسوق، وأن يضارب في الأسهم والسندات وشراء ما يلزمه والتواصل مع أي شخص في هذاالعالم بكبسة زر.
إنّ الثورة الرقمية الجامحة التي نعيشها اليوم هي أحد إرهاصات الثورة الصناعية الرابعة، بما تحمله إلينا من تغيرات معرفية وتكنولوجية مذهلة تقوم على الذكاء الاصطناعي بمختلف تطبيقاته وأطيافه في كل جوانب الحياة الإنسانية،حتى أن التحولات الرئيسية التي ستحدث في “مُجتمع ما بعد المعلومات” ستؤدي بصورة كبيرة على إعادة صياغة كثير من المفاهيم القائمة على أساس “التخمة” المعلوماتية والاتصالاتية الضخمة وإنترنت الأشياء والقدرة الهائلة على معالجة البيانات وربط العالم بعضه ببعض، بما يدلل على أن البشرية في مرحلة انتقالية، وأن القادم سيكون أكثر غرابة وربما جنونا، في ظل تقلص مساحة الحضور الإنساني في كثير من القطاعات لمصلحة الحضور الآلي الذي يعكسه التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، هذا دون أن ننسى “الهيومان بوت” وهو اتجاه لبداية زرع الشرائح الإلكترونية في الدماغ البشري. بينما يبقى السؤال معلقا: هل نحن فعلا بحاجة إلى كل هذا التطور أم ما ينقصنا هو ثورة في الأخلاق لمجابهة الأنانية والجشع والطمع والظلم وحب التسلط، ثورة تساعدنا على ردم الهوة في القيم بين الأجيال التي يخوضها الأبناء والأحفاد في السنين القادمة؟