تشهد الحروب في القرن الحادي والعشرين تحولات غير مسبوقة، مدفوعة بالتطور التكنولوجي، الذي أصبح ركيزة أساسية في ديناميكيات الصراع. لم تعد الحروب مواجهات تقليدية بين جيوش متنافسة، بل أصبحت ساحات متعددة الأبعاد تمتزج فيها القوة التدميرية مع التأثير الإعلامي، مما يطرح تساؤلات عميقة حول أخلاقيات هذه النزاعات وآثارها على البشرية.
التقنيات الحديثة، مثل الصواريخ عالية الدقة والأسلحة السيبرانية، أحدثت ثورة في إدارة الحروب، حيث تمنح القوى العسكرية سيطرة غير مسبوقة على مسار العمليات، مع قدرة على تحقيق دمار هائل بدقة متناهية. ومع ذلك، تُظهر هذه التقنيات تناقضًا صارخًا، إذ تُستخدم أيضًا لطمس الحقائق. فعلى الرغم من حجم الخراب الذي تسببه، تسهم وسائل الإعلام في رسم صورة منقحة لهذه الحروب، تُظهرها كأحداث تخلو من المآسي. هذه الصورة المُزيفة تُغذي حالة من اللامبالاة لدى المجتمعات، خصوصًا في الأنظمة الديمقراطية التي تنشغل بقضاياها الداخلية، متجاهلة معاناة الآخرين.
تستغل الحكومات هذه التقنيات لتوجيه السرديات الإعلامية، فتُبرز قوتها العسكرية وتُخفي التكلفة الإنسانية لهذه الحروب، لتتحول إلى مشهد استعراضي يتلاعب بالعقول ويُدمر الوعي الجمعي. بذلك، تُجمّل الحرب في أذهان الشعوب المنشغلة بأولوياتها اليومية، بينما يظل الواقع الإنساني المدمر طي الكتمان.
ومع ذلك، لا تظل الصورة قاتمة بالكامل، فقد برزت منصات إعلامية مستقلة وصحفيون رقميون يسعون لكشف الحقائق التي تُخفيها الحكومات. من خلال الصحافة الاستقصائية، يكشف هؤلاء الإعلاميون الفظائع الإنسانية، ويواجهون السرديات الرسمية، مما يساهم في إعادة تشكيل الوعي الجماعي تجاه النزاعات المسلحة.
السؤال الأهم هنا هو: هل يمكن للبشرية تجاوز الحرب كوسيلة لحل النزاعات؟ رغم أن الإجابة تبدو بعيدة في ظل الدمار المتواصل، خاصة في منطقتنا، وتحديدًا في غزة ولبنان، إلا أن البدائل السلمية قد تصبح ممكنة على المدى الطويل. إن الحروب الحديثة ليست مجرد اختبار للقوة أو التقدم التكنولوجي، بل هي اختبار لإنسانيتنا.
في مواجهة هذه التحديات، تبقى الجهود الفردية والمؤسسية للكشف عن حقيقة النزاعات أملًا في التغيير. مناطق مثل غزة ولبنان تمثل اختبارًا حقيقيًا للعالم، حيث تتطلب الأزمات الإنسانية المتفاقمة تضافر الجهود لإيجاد حلول سلمية توقف آلة الحرب وتنقذ الأرواح. السؤال المطروح: هل العالم مستعد لتحمل هذه المسؤولية؟