هل سمعت عن مصطلح ميتافيرس “Metaverse”؟ حتى لو لم تكن قد شاهدت مقطع فيديو للمؤسس والمدير التنفيذي لـــFacebook مارك زوكربيرغ مدته 81 دقيقة مؤخرا حول مستقبل التفاعل البشري والذي بلغ ذروته مع إعادة تسمية شركته باسم Meta ، فقد انتشر هذا المصطلح كأحدث كلمة طنانة تجذب خيال صناعة التكنولوجيا والتي ينظر إليها الخبراء على أنها تعبّر عن مستقبل مواقع التواصل الاجتماعي أو بالأحرى مستقبل الشبكة العنكبوتية بصفة عامة.
عدد من الرؤساء التنفيذيين في الشركات التكنولوجية المطورة لتقنيات تشبه الخيال العلمي يقولون بإن البشر، وفي يوم قريب، سيمضون أوقاتهم في عالم تفاعلي من الواقع الافتراضي، مليء بالألعاب والمغامرات والتبضع والعروضات الفريدة القادمة من عالم آخر، كما الشخصيات التي نشاهدها في الأفلام .يأتي “الميتافيرس” على شكل فضاء رقمي هائل ومشترك يربط الواقعين المعزز والافتراضي ببعضهما، ويتيح للشخصيات الافتراضية القفز من نشاط إلى آخر دون أي عوائق.
إحدى الدراسات المتخصصة تشير إلى أن أول من استخدم مصطلح “الميتافيرس” Metaverse هو “نيل ستيفنسون” في رواية الخيال العلمي “Snow Crash” عام 1992. وتتكون الكلمة من مقطعين؛ الأول Meta وهو الاسم الجديد الذي تغيرت إليه فيس بوك، ويعني “ما وراء”، والمقطع الثاني Verse الذي يأتي اختصاراً لكلمة Universe بمعنى “العالم”، والكلمتان معاً تأتيان بمعنى “العالم الماورائي”أو “ما وراء الكون”. وقد قصد به “نيل ستيفنسون” في روايته تلك، العالم الافتراضي المملوك من قِبل الشركات، حيث يتم التعامل مع المُستخدمين النهائيين كمواطنين يعيشون في “ديكتاتورية الشركات”.
لتقريب فكرة “ميتافيرس” للأذهان، قال زوكربيرغ إن الأمر أشبه بتحويل الإنترنت إلى بيئة ثلاثية الأبعاد لا يقتصر دور المستخدم على النظر إليها أمام شاشته بل الدخول في هذه البيئة بنفسه حتى يصبح أحد عناصرها، ولتنفصل حواسه عن عالمه الحقيقي فترة بقائه في العالم الافتراضي.
إذن الحديث هنا عن إنشاء عالم افتراضي، يسدّ الفجوة بين العالمين الواقعي والرقمي، ليظهر بذلك عالم ثالث، يستطيع فيه المستخدمون إنشاء حياة افتراضية لهم عبر مساحات مختلفة من الإنترنت، بحيث تسمح لهم بالتلاقي والعمل والتعليم والترفيه بداخله، مع توفير تجربة تسمح لهم ليس فقط بالمشاهدة عن بُعد عبر الأجهزة الذكية كما يحدث حاليا، ولكن بالدخول إلى هذا العالم في شكل ثلاثي الأبعاد عبر تقنيات الواقع الافتراضي.
فمن خلال استخدام نظارات الواقع الافتراضي والواقع المُعزز وارتداء السترات والقفزات المُزودة بأجهزة استشعار، يستطيع المُستخدم أن يعيش تجربة شبه حقيقية، تعمل فيها هذه التقنيات الذكية كوسيط بين المُستخدمين في عالم “الميتافيرس”، لإيصال الشعور بالإحساس المادي، فيستطيع أن يرى المُستخدم الأشياء من حوله بصورة ثلاثية الأبعاد عبر النظارة، كما يمكن أن يشعر فيها بالمؤثرات الجسدية الحسية، كإحساس السقوط في المياه أو اللكمة في الوجه أو غيرها، من خلال المستشعرات الموجودة في السترات والقفزات التي يرتديها، فيحصل على تجربة أشبه بالواقعية حتى وإن كانت غير مباشرة.
صحيح أن ثمة استخدامات عديدة ومتعددة لـــ”الميتافيرس”، سواء على الجوانب الترفيهية مثل ألعاب الفيديو أو مشاهدة الأفلام أو الاستمتاع بقضاء وقت فراغ، بالإضافة إلى الجوانب والوسائل التعليمية “الوجاهية” أو تلك التي عن بُعد.. فهو ضرورى فى كلتا الحالتين..لكن عل ىالرغم من مشروع “الميتافيرس” أحد مشروعات “فيسبوك” الواعدة؛ لكنها فكرة ما زالت قيد الاختبار مثل غيرها من المشروعات التي لم تتحقق أو لم تر النور لأسباب عديدة. وحتى وإن اكتمل مشروع “الميتافيرس” خلال 5 سنوات من الآن كما هو مخطط له؛ فإنّ هذا التطور قد تقابله مقاومة من التيار الإنساني التقليدي، الذي يرفض هذه السرعة المُبالغ فيها في ظل تنامي مخاوف بشأن “عالم جديد” تتلاشى فيه خصوصية البيانات وانكشافها وتأثيراته النفسية والإجتماعية على حياة الأفراد والمجتمعات ، مما قد يزيد أو يفاقم مشاكل العالم الحقيقي.