تبدو الأرقام مفزعة تلك التي كشف عنها موقع “ستاتيستا” (Statista) المتخصص في الإحصائيات بأن الكلفة الإجمالية للهجمات السيبرانية في العالم تناهز في العام 2023 ما يفوق 8 تريليونات دولار، مقارنة بـ 7 تريليونات في العام 2022، على أن ترتفع إلى 9.2 تريليونات في العام المقبل.
لقد ازداد اهتمام العالم بأسره وبشكل متزايد بخطر الهجمات السيبرانية في السنوات الأخيرة. ويُعتبر الاعتراف بأهمية الأمن السيبراني أمرًا حاسمًا للعديد من الدول بعد أصبحت هذه الهجمات العنوان الأبرز كأحد أهم العناصر المؤثرة في أوجه الصراع الدولي والجيوسياسي وبعد انتقال جزء كبير من الصراعات بين القوى المؤثرة إلى شبكة الإنترنت ورغم أن ثمة من يعتبر الفضاء السيبراني تهديدًا ناشئًا، إلا أن بمجرد النظر إلى جدول أعمال إي قمة عالمية يبرر هذا التهديد بشكل مكتمل الأركان والمعالم.
كان أحد أهم مجالات التحول السيبراني في عام 2022، وما قبله، هو إدراك العديد من الدول وغيرها من الفواعل الأخرى ، بأن القدرات السيبرانية باتت مجالًا مهمًا لممارسة النفوذ وتحقيق التفوق والتنافس في العلاقات الدولية، حيث لم تعد ترسانات الأسلحة التقليدية هي المعيار الأساسي لقياس القوة الشاملة للدولة، بعد الثورة الصناعية الرابعة وما صاحبها من تجليات الذكاء الاصطناعي. وفي هذا الإطار، قامت العديد من الدول بوضع سياسات واستراتيجيات وطنية لمواكبة قفزات التطور في الثورة الصناعية الرابعة، ولاسيما بعد تصاعد الصراعات الدولية في الفضاء السيبراني التي باتت جزءًا لا يتجزأ من التفاعلات الدولية مع تنامي معدلات الهجمات والجريمة والمخاطر الإلكترونية بشكل لافت للنظر.
خلال السنوات القليلة الماضية رأينا كيف أن أحد أطراف الصراع بات قادرا على إيقاع خسائر فادحة بالطرف الآخر وشل بنيته المعلوماتية والاتصالية الخاصة بها وما ترتب على ذلك من خسائر عسكرية أو اقتصادية أو أمنية من خلال قطع أنظمة اتصال أو بث فيروسات أو تضليل معلومات أو سرقتها والتلاعب بالبيانات الاقتصادية والمالية وتزييفها أو حتى مسحها من الوجود.
صحيح أن العديد من الدول تعمل على تعزيز قدراتها في مجال الأمن السيبراني وتطوير استراتيجيات وسياسات تحكم استخدام التكنولوجيا بهذا المجال، ونرى الكثير من الخطط التي أعلنت عنها دول متقدمة وشرعت بزيادة نشاطها ووضع بنود في موازنتها العامة بملايين الدولارات (وهنا نتحدث عن الولايات المتحدة والصين وروسيا وبعض الدول الأوروبية تحديدا) لمجابهة التحديات والمخاطر السيبرانية وتكثيف جهودها لحماية أمنها الإلكتروني وتحصين بنيتها الَّتحتيَّة الحيويَّة، وتطوير سياسات لرفع الوعي حول قضايا الأمن السيبراني وتطوير المخططات الوطنية لتحفيز وتعظيم الوسط الرقمي لها، بهدف تقليص مخاطر وآثار الهجمات السيبرانية التي تتعرض لها المعورة كل جزء من الدقيقة.
إنّ العالم برمته، بات يعتمد على التكنولوجيا الرقمية والاتصالات السيبرانية، وإذا تم التقاطع بين الهجمات السيبرانية والصراعات الجيوسياسية؛ فإن المشهد سيكون أكثر خطرًا وتعقيدًا وهذا يتطلب تقديم استجابات فعّالة وتطوير استراتيجيات جديدة للتعامل مع هذه التهديدات المتنوعة والمتزايدة.